كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{إِذْ أَوَى الفتية إِلَى الكهف} نذكر من قصتهم على وجه الاختصار ما لا غنى عنه، إذ قد أكثر الناس فيها مع قلة الصحة في كثير مما نقلوا، وذلك أنهم كانوا قومًا مؤمنين، وكان ملك بلادهم كافرًا يقتل كل مؤمن، ففروا بدينهم، ودخلوا الكهف ليعبدوا الله فيه ويستخفوا من الملك وقومه، فأمر الملك باتباعهم، فانتهى المتبعون لهم إلى الغار فوجدوهم، وعرفوا الملك بذلك فوقف عليه في جنده وأمر بالدخول إليهم، فهاب الرجال ذلك وقالوا له: دعهم يموتوا جوعًا وعطشًا، وكان الله قد ألقى عليهم نومًا ثقيلًا، فبقوا على ذلك مدّة طويلة ثم أيقظهم الله، وظنوا أنهم لبثوا يومًا أو بعض يوم، فبعثوا أحدهم يشتري لهم طعامًا بدراهم كانت لهم، فعجب لها البائع وقال: هذه الدراهم من عهد فلان الملك في قديم الزمان من أي جاءتك؟ وشاع الكلام بذلك في الناس، وقال الرجل: إنما خرجت أنا وأصحابي بالأمس فأوينا إلى الكهف، فقال: هؤلاء الفتية الذين ذهبوا في الزمان القديم فمشوا إليهم فوجدوهم موتى، وأما موضع كهفهم، فقيل إنه بمقربة من فلسطين وقال قوم: إنه الكهف الذي بالأندلس بمقربة من لوشة من جهة غرناطة، وفيه موتى ومعهم كلب، وقد ذكر ابن عطية ذلك، وقال: إنه دخل عليهم ورآهم وعليهم مسجد، وقريب منهم بناء يقال له الرقيم قد بقي بعض جدرانه، وروي أن تلك الذي كانوا في زمانه اسمه دقيوس، وفي تلك الجهة آثار مدينة يقال لها مدينة دقيوس والله أعلم.
ومما يبعد ذلك ما روي أن معاوية مر عليهم وأراد الدخول إليهم، ولم يدخل معاوية الأندلس قط، وأيضًا فإن الموتى التي في غار لوشة يراهم الناس، ولم يدرك أحد منهم الرعب، الذي ذكر الله في أصحاب الكهف {فَضَرَبْنَا على آذَانِهِمْ فِي الكهف} عبارة عن إلقاء النوم عليهم، وقال الزمخشري: المعنى ضربنا على آذانهم حجابًا ثم حذف هذا المفعول {سِنِينَ عَدَدًا} أي كثيرة {ثُمَّ بعثناهم} أي أيقظناهم من نومهم {لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ أحصى لِمَا لَبِثُواْ أَمَدًا} أي لنعلم علمًا يظهر في الوجود، لأن الله قد كان علم ذلك، والمراد، بالحزبين الذين اختلفوا في الكهف في مدة لبثهم، فالحزب الواحد: أصحاب الكهف والحزب الآخر القوم الذين بعث الله أصحاب الكهف في مدتهم وقيل: إن الحزبين معًا أصحاب الكهف إذ كان بعضهم قد قال: لبثنا يومًا أو بعض يوم، وقال بعضهم: ربكم أعلم بما لبثتم، وأحصى فعل ماض، وأمدًا مفعول به، وقيل: أحصى اسم للتفضيل، وأمدًا تمييز، وهذا ضعيف، لأن أفعل من التي للتفضيل لا يكون من فعل رباعي إلا في الشاذ.
{وَرَبَطْنَا على قُلُوبِهِمْ} أي قوينا عزمهم وألهمناهم الصبر، يحتمل أن يريد قيامهم من النوم بين يدي الملك الكافر لما آمنوا ولم يبالوا به {لَّقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا} أي لو دعونا من دونه إلهًا لقلنا قولًا شططًا، والشطط الجور والتَّعدي {لَّوْلاَ يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ} تحضيض بمعنى التعجيز، أنهم لا يأتون بحجة بينة على عبادة غير الله.
{وَإِذِ اعتزلتموهم} خطاب من بعضهم لبعض حين عزموا على الفرار بدينهم {وَمَا يَعْبُدُونَ} عطف على المفعول في اعتزلتموهم: أي تركتموهم وتركتم ما يعبدون {إِلاَّ الله} أي ما يعبدون من دون الله، وإلا هنا بمعنى غير، وهذا استثناء متصل إن كان قومهم يعبدون الله ويعبدون معه غيره، ومنقطع إن كانوا لا يعبدون الله، وفي مصحف ابن مسعود {وما يعبدون من دون الله} {فَأْوُوا إِلَى الكهف} هذا الفعل هو العامل في إذ اعتزلتموهم والمعنى أن بعضهم قال لبعض إذا فارقنا الكفار فلنجعل الكهف لنا مأوى، ونتكل على الله فهو يرحمنا ويرفق بنا {مِّرْفَقًا} بفتح الميم وكسرها ما يرتفق به وينتفع.
{وَتَرَى الشمس إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ اليمين وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشمال} قيل: هنا كلام محذوف تقديره فأوى القوم إلى الكهف ومكثوا فيه، وضرب الله على آذانهم، ومعنى تزاور تميل وتزوغ، ومعنى: تقرضهم تقطعهم: أي تبعد عنهم، وهو بمعنى القطع، وذات اليمين والشمال أي جهته، ومعنى الآية: أن الشمس لا تصيبهم عند طلوعها، ولا عند غروبها لئلا يحترقوا بحرها، فقيل: إن ذلك كرامة لهم وخرق عادة، وقيل: كان باب الكهف شماليًا يستقبل بنات نعش، فلذلك لا تصيبهم الشمس، والأول أظهر لقوله: {ذلك من آيات الله} {وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ} أي في موضع واسع، وذلك مفتح لإصابة الشمس، ومع ذلك حجبها الله عنهم {ذلك مِنْ آيات الله} الإشارة إلى حجب الشمس عنهم إن كان خرق عادة، وإن كان لكون بابهم إلى الشمال فالإشارة إلى أمرهم بجملته {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ} أيقاظًا جمع يقظ، وهو المنتبه، كانت أعينهم مفتوحة وهم نائمون، فيحسبهم من يراهم أيقاظًا وفي قوله: أيقاظًا ورقود مطابقة، وهي من أدوات البيان {وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ اليمين وَذَاتَ الشمال} أي نقلبهم من جانب إلى جانب، ولولا ذلك لأكلتهم الأرض، وكان هذا التقليب من فعل الله وملائكته، وهم لا ينتبهون من نومهم، وروي أنهم كانوا يقلبون مرتين في السنة، وقيل من سبع سنين إلى مثلها {وَكَلْبُهُمْ باسط ذِرَاعَيْهِ} قيل إنه كان كلبًا لأحدهم يصيد به، وقيل كان كلبًا لراع فمروا عليه فصحبهم وتبعه كلبه وأعمل اسم الفاعل وهو بمعنى المضيّ لأنه حكاية حال.
{بالوصيد} أي بباب الكهف، وقيل عتبته وقيل البناء {لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا} ذلك لما ألبسهم الله من الهيبة، وقيل: لطول أظافرهم وشعورهم وعظم أجرامهم. وقيل: لوحشة مكانهم، وعن معاوية أنه غزا الروم فمر بالكهف، فأراد الدخول إليه فقال له ابن عباس: لا تستطيع ذلك، قد قال الله لمن هو خير منك: لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارًا فبعث ناسًا إليهم، فلما دخلوا الكهف بعث الله ريحًا فأحرقتهم.
{وكذلك بعثناهم لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ} أي كما أنمناهم، كذلك بعثناهم ليسأل بعضهم بعضًا، واللام في ليتساءلوا لام الصيرورة {قَالُواْ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ} هذا قول من استشعر منهم أن مدة لبثهم طويلة، فأنكر على من قال يومًا أو بعض يوم، ولكنه لم يعلم مقدارها فأسند علمها إلى الله. {فابعثوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ} الوّرِق: الفضة، وكانت دراهم تزودوها حين خروجهم إلى الكهف، ويستدل بذلك على أن التزود للمسافر أفضل من تركه، ويستدل ببعث أحدهم على جواز الوكالة، فإن قيل: كيف اتصل بعث أحدهم بتذكر مدة لبثهم؟.
فالجواب أنهم كانوا قالوا: ربكم أعلم بما لبثتم، ولا سبيل لكم إلى العلم بذلك، فخذوا فيما هو أهم من هذا وأنفع لكم فابعثوا أحدكم {إلى المدينة} قيل: أنها طرسوس {أزكى طَعَامًا} قيل: أكثر، وقيل: أحل، وقيل: إنه أراد شراء زبيب، وقيل: تمر {وَلْيَتَلَطَّفْ} في اختفائه وتحيله {إِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ} أي: إن يظفروا بكم يقتلوكم بالحجارة، وقيل: المعنى يرجموكم بالقول، والأول أظهر.
{وكذلك أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ} أي كما أنمناهم وبعثناهم أطلعنا الناس عليهم {ليعلموا} الضمير للقوم الذين أطلعهم الله على أصحاب الكهف: أي أطلعناهم على حالهم من انتباههم من الرقدة الطويلة ليستدلوا بذلك على صحة البعث من القبور {إِذْ يتنازعون بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ} العامل في إذ أعثرنا أو مضمر تقديره اذكر، والمتنازعون هم القوم الذين كانوا قد تنازعوا فيما يفعلون في أصحاب الكهف، أو تنازعوا هل هم أموات أو أحياء، وقيل: تنازعوا هل تحشر الأجساد أو الأرواح بالأجساد؟ فأراهم الله حال أصحاب الكهف ليعلموا أن الأجساد تحشر {فَقَالُواْ ابنوا عَلَيْهِمْ بنيانا} أي على باب كهفهم إما ليطمس آثارهم أو ليحفظهم ويمنعهم ممن يريد أخذهم أو أخذ تربتهم تبركًا، وإما ليكون علمًا على كهفهم ليعرف به.
{قَالَ الذين غَلَبُواْ على أَمْرِهِمْ} قيل: يعني الولاة وقيل: يعني المسلمين لأنهم كانوا أحق بهم من الكفار، فبنوا على باب الكهف مسجدًا لعبادة الله.
{سَيَقُولُونَ} الضمير لمن كان في زمان النبي صلى الله عليه وسلم من اليهود أو غيرهم ممن تكلم في أصحاب الكهف {رَجْمًا بالغيب} أي ظنا وهو مستعار من الرجم بمعنى الرمي {سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ} قال قوم: إن الواو واو الثمانية لدخولها هنا وفي قوله: سبع ليال وثمانية أيام، وفي قوله في أهل الجنة: {وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} [الزمر: 73] وفي قوله في براءة {والناهون عَنِ المنكر} [التوبة: 112] وقال البصريون: لا تثبت واو الثمانية وإنما الواو هنا كقوله: جاء زيد وفي يده سيف.
قال الزمخشري: وفائدتها التوكيد. والدلالة على أن الذين قالوا سبعة وثامنهم كلبهم صدقوا وأخبروا بحق، بخلاف الذين قالوا ثلاثة ورابعهم كلبهم، والذين قالوا خمسة وسادسهم كلبهم، وقال ابن عطية: دخلت الواو في آخر إخبار عن عددهم لتدل على أن هذا نهاية ما قيل، ولو سقطت لصح الكلام، وكذلك دخلت السين في قوله سيقولون الأول، ولم تدخل في الثاني والثالث استغناء بدخولها في الأول {مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ} أي لا يعلم عدتهم إلا قليل من الناس، وهم من أهل الكتاب، قال ابن عباس: أنا من ذلك القليل، وكانوا سبعة وثامنهم كلبهم، لأنه قال في الثلاثة والخمسة: رجمًا بالغيب ولم يقل ذلك في سبعة وثامنهم كلبهم {فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَاءً ظاهرا} لا تمار: من المراء وهو الجدال والمخالفة والاحتجاج، والمعنى لا تمار أهل الكتاب في عدة أصحاب الكهف إلا مراء ظاهرًا، أي غير متعمق فيه من غير مبالغة ولا تعنيف في الردُّ عليهم {وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِّنْهُمْ أَحَدًا} أي لا تسأل أحدًا من أهل الكتاب عن أصحاب الكهف، لأن الله قد أوحى إليك في شأنهم ما يغنيك عن السؤال.
{وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَاْىءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذلك غَدًا إِلاَّ أَن يَشَاءَ الله} سببها أن قريشًا سألوا اليهود عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا لهم: اسألوه عن فتية ذهبوا في الزمان الأول وهم أصحاب الكهف، وعن رجل بلغ مشارق الأرض ومغاربها وهو ذو القرنين، وعن الروح، فإن أجابكم في الاثنين وسكت عن الروح فهو نبي، فسألوه فقال غدًا أخبركم ولم يقل إن شاء الله، فأمسك عنه الله الوحي خمسة عشر يومًا، فأوجف به كفار قريش وتكلموا في ذلك، فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم جاء جبريل بسورة الكهف فقص عليه فيها قصة أصحاب الكهف وذي القرنين، وأنزل الله عليه هذه الآية تأديبًا لهم وتعليمًا، فأمره بالاستثناء بمشيئة الله في كل أمر يريد أن يفعله فيما يستقبل، وقوله: غدًا يريد به الزمان المستقبل، لا اليوم الذي بعد يومه خاصة، وفي الكلام حذف يقتضيه المعنى وتقديره: ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدًا إلا أن تقول: إن شاء الله أو تقول إلاّ أن يشاء الله، والمعنى أن يعلق الأمر بمشيئة الله وحوله وقوته، ويبرأ هو من الحول والقوة، وقيل: إن قوله إلا أن يشاء الله بقوله لا تقولنّ. والمعنى لا تقولنّ ذلك القول إلا أن يشاء الله أن تقوله بأن يأذن له فيه، فالمشيئة على هذا راجعة إلى القول لا إلى الفعل، ومعناها إباحة القول بالإذن فيه، حكى ذلك الزمخشري، وحكاه ابن عطية، وقال إنه من الفساد بحيث كان الواجب ألا يحكي.
{واذكر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ}. قال ابن عباس: الإشارة بذلك إلى الاستثناء، أي استثن بعد مدة إذا نسيت الاستثناء أولًا، وذلك على مذهبه، فإن الاستثناء في اليمين ينفع بعد سنة، وأما مذهب مالك والشافعي فإنه لا ينفع إلا إن كان متصلًا باليمين، وقيل معنى الآية: اذكر ربك إذا غضبت، وقيل اذكر إذا نسيت شيئًا ليذكرك ما نسيت، والظاهر أن المعنى اذكر ربك إذا نسيت ذكره أي ارجع إلى الذكر إذا غفلت عنه، واذكره في كل حال، ولذلك قالت عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه {وَقُلْ عسى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَدًا} هذا كلام أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقوله، والإشارة بهذا إلى خبر أصحاب الكهف، أي عسى الله أن يؤتيني من الآيات والحجج ما هو أعظم في الدلالة على نبوّتي، من خبر أصحاب الكهف اللفظ يقتضي أن المعنى: يعني أن يوقفني الله تعالى من العلوم والأعمال الصالحات لما هو أرشد من خبر أصحاب أهل الكهف وأقرب إلى الله، وقيل: إن الإشارة بهذا إلى المنسي أي إذا نسيت شيئًا فقل عسى أن يهديني الله إلى شيء آخر هو أرشد من المنسيّ.
{وَلَبِثُواْ فِي كَهْفِهِمْ ثلاث مِاْئَةٍ سِنِينَ وازدادوا تِسْعًا} في هذا قولان أحدهما: أنه حكاية عن أهل الكتاب يدل على ذلك ما في قراءة ابن مسعود: وقالوا لبثوا في كهفهم. وهو معطوف على سيقولون ثلاثة فقوله: {قُلِ الله أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ} رد عليهم في هذا العدد المحكي عنه، القول الثاني: أنه من كلام الله تعالى، وأنه بيان لما أجمل في قوله: فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددًا، ومعنى قوله: قل الله أعلم بما لبثوا على هذا أنه أعلم من الذين اختلفوا فيهم، وقد أخبر بمدة لبثم، فإخباره هو الحق لأنه أعلم من الناس، وكان قوله: قل الله أعلم احتجاجًا على صحة ذلك الإخبار، وانتصب سنين على البدل من ثلاثمائة أو عطف بيان، أو على التمييز وذلك على قراءة التنوين في ثلاثمائة وقرئ بغير تنوين على الإضافة ووضع الجمع موضع المفرد {أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ} أي ما أبصره وما أسمعه، لأن الله يدرك الخفيات كما يدرك الجليات {مَا لَهُم} الضمير لجميع الخلق أو للمعاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم {وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} هو خبر في قراءة من قرأ بالياء والرفع وقرئ بالتاء والجزم على النهي {لاَ مُبَدِّلَ لكلماته} يحتمل أن يراد بالكلمات هنا القرآن، فالمعنى لا يبدل أحد القرآن ولا يغيره، ويحتمل أن يريد بالكلمات القضاء والقدر {مُلْتَحَدًا} أي ملجا تميل إليه.
{واصبر نَفْسَكَ} أي احبسها صابرًا {مَعَ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُم} هم فقراء المسلمين: كبلال وخباب وصهيب وكان الكفار قد قالوا له: اطرد هؤلاء نجالسك نحن، فنزلت الآية {بالغداة والعشي} قيل: المراد الصلوات الخمس، وقيل: الدعاء على الإطلاق {وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ} أي لا تتجاوز عنهم إلى أبناء الدنيا، وقال الزمخشري: يقال عداه إذا جاوزه، فهذا الفعل يتعدى بنفسه دون حرف، وإنما تعدى هنا بعن لأنه تضمن معنى: نَبَتْ عينه عن الرجل إذا احتقره {تُرِيدُ زِينَةَ الحياة الدنيا} جملة في موضع الحال فهي متصلة بما قبلها، وهي في معنى تعليل الفعل المنهي عنه في قوله: ولا تعد عيناك عنهم: أي لا تبعد عنهم من أجل إرادتك لزينة الدنيا {أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ} أي جعلناه غافلًا أو وجدناه غافلًا، وقيل: يعني أنه عيينه بن حصن الفزاري، والأظهر أنها مطلقة من غير تقييد {فُرُطًا} من التفريط والتضييع، أو من الإفراط والإسراف.
{وَقُلِ الحق مِن رَّبِّكُمْ} أي هذا هو الحق {فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن} لفظه أمر وتخيير: ومعناه أن الحق قد ظهر فليختر كل إنسان لنفسه: إما الحق الذي ينجيه، أو الباطل الذي يهلكه، ففي ضمن ذلك تهديد {سُرَادِقُهَا} السرداق في اللغة: ما أحاط بالشيء كالسور والجدار، وأما سرادق جهنم فقيل: حائط من نار، وقيل: دخان {كالمهل} وهو دردي الزيت إذ انتهى حره روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وقيل: ما أذيب من الرصاص وشبهه {مُرْتَفَقًا} أي شيء يرتفق به، فهو من الرفق، وقيل: يرتفق عليه فهو من الارتفاق بمعنى الاتكاء.
{أولئك لَهُمْ} خبر إن، وإنا لا نضيع: اعتراض، ويجوز أن يكونا خبرين أو يكون إنا لا نضيع الخبر، وأولئك استئناف، ويقوم العموم في قوله: من أحسن مقام الضمير الرابط أو يقدر من أحسن عملًا منه، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنها نزلت في أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ رضي الله عنهم {أَسَاوِرَ} جمع أسوار وسوار، وهو ما يجعل في اليد، وقيل: أساور جمع أسورة وأسورة جمع سوار {مِّن سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ} السندس: رقيق الديباج، والإستبرق الغليظ منه {الأرآئك} الأسرة والفرش. اهـ.